الجمعة , مارس 29 2024

الشيخ أحمد سعيد يكتب..رحمة المنهج المحمدي بين النقد والاختلاف

الحمدلله رب العالمين ،والصلاة والسلام على رحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..وبعد…،،،،
فإني استهل مقالي بالآية الكريمة : {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة: من الآية83]. فاستخدام المصدر هنا ( الحُسْن )، له دلالة قوية على أهمية ذلك الإحسان لكل الناس جميعاً بجميع دياناتهم وطوائفهم وألوانهم وأشكالهم !!
ومن اللطائف مع هذه الآية {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} أن هناك قراءة أخرى سبعية لحمزة والكسائي: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَناً}.
قال أهل العلم: (والقول الحَسن يشمل: الحسن في هيئته؛ وفي معناه؛ ففي هيئته: أن يكون باللطف، واللين، وعدم الغلظة، والشدة، وفي معناه: بأن يكون خيراً؛ لأن كل قولٍ حسنٍ فهو خير؛ وكل قول خير فهو حسن).

وقد أجاد القائل ، حيث قال:
من يغرس الإحسان يَجنِ محبة *** دون المسيء المبعد المصرومِ
أقلِ العثارَ تَفُز، ولا تحْسِدْ، وَلَا *** تَحْقدْ ، فليسَ المرءُ بالمعصومِ

ولنا في مولانا وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في طِيب كلامه وحُسن مَقاله وبُعده عن كل فحش ورذيلة، فعن أبي عبد الله الجدلي قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: «لم يكن فاحِشا ولا متفحّشا، ولا صَخابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح». أي لم يكن ناطقا بالكلام السيء الفاحش، ولم يكن متكلفا للنطق بالكلام الفاحش السيء، فليس الفحش من أخلاقه ولا من طبْعه صلى الله عليه وسلم.

ومن الأمراض الخطيرة التي انتشرت في زماننا العجيب هي ( التفحش والبذاءة ،وسوء الأخلاق ) خاصة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ؛ التي من الأفضل أن نحسن استخدامها في الدلالة على الله ( عزوجل) وفي معاني الرحمة التي نقتبسها من قوله تعالى (((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )) (107) ، ولنتنبّه أيضا الرحمة هنا للعالمين ، فما بالنا مع إخوتنا المسلمين !!!

وقبل أن نضرب الأمثلة من واقعنا الملموس، نوضح هنا بعض معاني الاختلاف والخلاف .
والخلاف: الاختلاف والمخالفة أن ينهج كل شخص طريقاً مغايراً للآخر في حاله أو في قوله. والخلاف أعم من “الضد ” لأن كل ضدين مختلفان، وليس كلُّ مختلفين ضدين، ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يفضي إلى التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة، قال تعالى:

﴿ فاخْتَلفَ الأحْزابُ مِنْ بينِهم… ﴾ [مريم:37]

﴿ وَلا يزَالُون مُخْتلِفين ﴾ [هود:118]

﴿ إنَّكُم لفِي قولٍ مُخْتلِف ﴾ [الذاريات:8]

﴿ إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بينهم يوْم القِيامةِ فيما كانوا فيهِ يخْتلِفون ﴾ [يونس:93].

وعلى هذا يمكن القول بأن “الخلاف والاختلاف ” يراد به مطلق المغايرة في القول أو الرأي أو الحالة أو الهيئة أو الموقف.

وأما طبيعة اللغة: فإن نصوص القرآن والسنة جاءت على وفق ما تقتضيه اللغة في المفردات والتراكيب، ففيها اللفظ المشترك الذي يحتمل أكثر من معنى، وفيها ما يحتمل الحقيقة والمجاز، والعام والخاص، والمطلق والمقيد.
وأما طبيعة البشر: فقد خلقهم الله مختلفين، فكل إنسان له شخصيته المستقلة، وتفكيره المتميز، وميوله الخاصة، ومن العبث صب الناس في قالب واحد، ومحو كل اختلاف بينهم، فهذا أمر مخالف للفطرة التي فطر الله عليها الناس.
وأما طبيعة الكون والحياة: فالكون الذي نعيش في جزء صغير منه، خلقه الله سبحانه مختلف الأنواع والصور والألوان، وهذا الاختلاف ليس اختلاف تضارب وتناقض بل هو اختلاف تنوع.
وكذلك طبيعة الحياة، فهي أيضا تختلف وتتغير بحسب مؤثرات متعددة، في المكان والزمان.
فالخلاف سنة كونية اقتضتها الحكمة الإلهية، قال الله عز وجل “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة” [هود: 118 – 119].
– الاختلاف ضرورة
الاختلاف في فهم الأحكام الشرعية غير الأساسية ضرورة لا بد منها، بسبب طبيعة الدين، واللغة، وطبيعة الكون والحياة.
فأما طبيعة الدين: فقد أراد الله أن يكون في أحكامه المنصوص عليه والمسكوت عنه، وأن يكون في المنصوص عليه: المحكمات والمتشابهات، والقطعيات والظنيات، والصريح والمؤول، لتعمل العقول في الاجتهاد والاستنباط، فيما يقبل الاجتهاد.
ولو شاء الله لأنزل كتابه كله نصوصا محكمة قطعية الدلالة، لا تختلف فيها الأفهام، ولا تتعدد التفسيرات، ولكنه لم يفعل ذلك، لتتفق طبيعة الدين مع طبيعة اللغة، وطبيعة الناس وضروريات الزمن.
– الاختلاف رحمة
الاختلاف كذلك رحمة بالأمة وتوسعة عليها، ولهذا اجتهد الصحابة واختلفوا في أمور جزئية كثيرة، ولم يضيقوا ذرعا بذلك بل نجد الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز يقول عن اختلاف الصحابة رضي الله عنهم: (ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لم يكن لنا رخصة).
– الاختلاف ثروة:
اختلاف الآراء الاجتهادية يثري الفقه، وينمو ويتسع، لأن كل رأي يستند إلى أدلة واعتبارات شرعية، وبهذا التعدد والتنوع تتسع الثروة الفقهية التشريعية، وإن تعدد المذاهب الفقهية وكثرة الأقوال، كنوز لا يقدر قدرها، وثروة لا يعرف قيمتها إلا أهل العلم والبحث، فقد يكون بعضها أكثر ملاءمة لزمان ومكان من غيرهما.
بعد ذلك العرض الموجز عن أهمية الاختلاف وصحته في حياتنا نحن – المسلمين – تبقى المشكلة الكبرى وهي
سوء الخلق مع المخالف، بالتصريح أو بالتلميح ، بالتعريض أو بالتورية ، وأحيانا بكل وضوح !
وللأسف بذكر اسم ذلك الشخص أمام العامة على قنوات التواصل الاجتماعي مما يسبب الآلام النفسية والاجتماعية، خاصة مع دخول غير المتخصص في الموضوع ، فيزيد الأمر تعقيداً، ويزيد الطين بلة !!!

مع أنك أيها الناقد، لو انتقدت الأسلوب أو الطريقة على منهج الرحمة المهداة في قوله ( عليه الصلاة والسلام ) في السنة المباركة التي أصبحت مهجورة وهي ((( مَا بَالُ أقوام )))
وجاء في السنَّة الصحيحة أحاديثُ كثيرة تبين الأسلوب النبوي المتفرد في النصيحة، الذي كان يصعَد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم منبره الشريف فور رؤيته الخطأ مِن شخص أو من جماعة، منبِّهًا على ما رآه من فلان أو غيره بقوله: ((ما بال أقوام))، فيشعُر المخطئ بخطئِه، ويحمل الجميل لمَن ستر عليه، وأهدى إليه النصحَ في هذا الثوب الجميل.

كثيرٌ ممَّن يرون أخطاءَ غيرهم يسارعون في التشهير بهم، واتِّهامهم، وفضحهم، ثم بعد ذلك يتذرَّعون بحجَّة إسداء النصح إليهم، إلا أن هذا الأسلوب النبوي في النصيحة: ((ما بال أقوام)) يعمِد إلى إشهار الخطأ، لا المخطئ، حتى يجتنبه المخطئ، ومَن يسمع هذا النصح في حينه، ومَن يصل إليه الخبرُ، إلى زمننا هذا.
لقد أمَر اللهُ تعالى موسى وهارون عليهما السلام أن يتلطَّفا في النصيحة لفرعون، وأن يدعُوَاه باللين؛ فهذا الذي ينبغي بذلُه مِن الناصح، أما النتيجة فلا ضيرَ إن جاءت بالسَّلب والرفض لهذه النصيحة؛ قال الله تعالى: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 43، 44]، وقال الله تعالى: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا * إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾ [النساء: 148، 149].

كذلك نبَّه اللهُ تعالى رسوله سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى التزام اللِّين والرَّحمة مع الموالين والمعادين؛ قال الله سبحانه: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، وطبَّق الرسولُ صلى الله عليه وسلم هذا التوجيهَ والتنبيهَ؛ قولًا وعملًا.
فقد رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم نفرًا مِن أصحابه يلتفتون في صلاتهم، ويرفعون أبصارهم إلى السماء حين الصلاة، وهذا يقلِّل مِن ثواب الصلاة، ويذهَب بخشوعها ورُوحها؛ فوجَّه إليهم نصيحتَه في ثوبها الجميل المعهود منه؛ روى البخاريُّ في صحيحه عن أنس بن مالكٍ – رضي الله عنه – قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما بالُ أقوامٍ يرفَعون أبصارَهم إلى السماءِ في صلاتهم؟!)) فاشتد قولُه في ذلك حتى قال: ((لينتَهُنَّ عن ذلك، أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارُهم)).
ورأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعضَ أصحابه يحرِّك يدَه اليمنى إذا سلَّم عن يمينه، ويحرِّك اليسرى إذا سلَّم عن شِماله، فلفَت أنظارهم إلى خطأ هذا الفعلِ؛ روى أبو داود في سننه، ورواه غيره بألفاظ متقاربة، عن جابر بن سمرة، قال: كنا إذا صلَّينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلَّم أحدنا، أشار بيده مِن عن يمينه، ومِن عن يساره، فلما صلَّى، قال: ((ما بالُ أحدِكم يرمي بيده كأنها أذناب خَيلٍ شُمسٍ؟! إنما يكفي أحدَكم، أو ألا يكفي أحدَكم أن يقول هكذا))، وأشار بأصبعه يسلِّم على أخيه مِن عن يمينه، ومِن عن شماله، ومعناه: أمَا يكفي أحدَكم أو أحدهم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه مِن عن يمينه، ومِن عن شماله.
أين نحن من ذلك المنهج المحمدي ؟؟! … أين نحن من أنوار معاني تلك الرحمة ؟؟!
مع أنك يا أخانا الأحب لو صَدَقَتْ نيّتُكَ ووجهَتُكَ مع اللّه ؛ لأصلح الله ببركة صدقك هذا أخاكَ المخالف معك !!
نعم ،احمل أخاك على رمش الحنان، وخذ بيده وادخلا معاً في معية هدي النبي العدنان (عليه الصلاة والسلام).

وفقنا الله جميعاً لما يحب ويرضى ، وجعلنا إخوة متحابين فيه ،ومجتمعين على أنوار هدي نبيّه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم … والحمد لله رب العالمين .

عن Mohamed Elwardany

شاهد أيضاً

من لقاءات الساحة.. د. أحمد البصيلي مع: (التنوير في إسقاط التدبير)