يتفاوت الأولاد في الذكاء، والاستجابة، والمرونة، ويختلف مزاج كلّ منهم، فقد يجد الوالدان في بيتهم طفلاً بمزاجٍ هادئ معتدل، وآخر بمزاجٍ عصبي شديد، ومنهم من يفهم بالإشارة، ومنهم لا ينفع معه إلا أسلوب التأنيب، والتأديب، والتوبيخ، وصنفٌ آخرٌ لا ينفع معه سوى أسلوب التهديد والوعيد، لهذا يجب على الوالدين اتّباع وسائل التربية الصحيحة التي تعتمد على أساس العقوبة “المناسبة” عند وقوع أحد الأبناء في الخطأ. والمثوبة المحفّزة ما داموا على ما ينبغي، ولا يكون العقاب أو الثواب إلا في السن المناسب، الأمر الذي لفتنا إليه رسول الله صلى الله على حضرته وآله قائلا: “علموا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع”. يعني باعدوا بين الذكور والإناث في أماكن نومهم.
وإذا نظرنا إلى الطريقة التي نتعامل بها مع أطفالنا. فرغم كل التقدم الذي شهده عصرنا، ورغم كل وسائل الرفاهية التي لم تكن متاحة من قبل لآبائنا، ما زلنا نتعامل مع أطفالنا بنفس الأسلوب الذي كان آباؤنا يعاملوننا به! فنحن نريد من الطفل أن يفعل ما نريده منه!! ونكون في غاية الضيق إذا صدرت له الأوامر ولم يطبق ما نمليه عليه!! فإذا تمادى في عدم سماع الكلام، يكون عقابه الضرب المبرح!!!
ويجب الحذر من الدعاء على الأولاد، فقد يدعو الوالدان على أبنائهم في ساعة استجابة، فيُستجاب الدعاء، ويحزن الآباء على ما فعلوه بأولادهم طوال عمرهم.
إن هذا الأسلوب الذي نتبعه في تربية أولادنا لا يتناسب مع سمات العصر الذي نحيا فيه الآن، وإن معظم ما نعاني منه من مشكلات الآن – من ارتفاع مطلق في عدد حالات الطلاق، وارتفاع معدلات الجرائم، وعدم احترام القوانين ومحاولة الالتفاف عليها، … الخ – هي نتيجة ما أفرزته الأساليب المختلفة للتربية التي اُتبعت لتربية الأجيال الحالية!!
لقد حثَّ الدين الإسلامي على مراعاة حقوق الأبناء عند تربيتهم، والتي منها: اتّباع السنّة في استقبال المولود، أيّ رفع الأذان في أذن المولود اليُمنى، والإقامة في أذنه اليُسرى. اختيار مرضعة صالحة للطفل إذا فقد والدته. إطعام الأولاد من مصادر الرزق الحلال فقط. تعليم الأطفال آداب الاستئذان عند الدخول إلى بيت الأسرة، أو بيوت الآخرين. احتضان الأم لأبناءها خاصةً في مرحلة المهد، والطفولة المبكرة، وعدم ترك تربية الطفل للخادمات والمربيّات. وكذلك تعليمهم وتعويدهم على الصلاة، وتشجعيهم على صلاة الجماعة، وتعويدهم على الصيام، وتربية البنات على الحشمة والعفاف، بارتداء الحجاب وعدم لفت الأنظار إليها في ملبس أو زينة أو مشية ولا يخضعن بالقول.
إن الإنسان إذا حاز أعلى منصب في الأرض، وجُمعت له الثروات الطائلة، وارتقى أعلى درجة علمية، ولم يكن أولاده كما يتمنى فهو أشقى الناس، من هنا جاء الدعاء القرآني الدقيق: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ [ سورة الفرقان الآية: 74].
من هنا أيها القارئ الكريم ليس على وجه الأرض جهة مهما عظمت يمكن أن تكون مسؤولة عن ابنك إلا أنت. وأنك إذا ربحت الدنيا كلها وخسرت أولادك فما ربحت شيئا.! وأول واجب تجاه أولادك أن تحسن اختيار أمهم، بعد ذلك كن أنت قدوتهم في حركاتك وسكناتك، وتعاملاتك الحياتية داخل البيت وخارجه، كنت قدوة لهم، وإلا سيعيشون انفصاما رهيبا بين القيم والأشخاص، ولا تستطيع أدمغتهم أن تنفك عن تصرفاتك الغير لائقة، لأن عين الطفل تسبق أذنه، فبدلا من أن تكلمهم عن الصدق والثقة والعفاف …الخ، دعهم يرون تلك القيم في تصرفاتك معهم وأمامهم.
واعلم أي أعظم كسب على الإطلاق أن تربي ابنك. وأكبر تجارة مع الله هي التوفيق في تربية الأولاد، ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾[ سورة الطور الآية: 21].
إن حفظ الاحترام المتبادل بين الوالدين مهما كان سبب الخلاف الذي يمرّان به، وكذلك تجنّب الألفاظ الجارحة، والإهانات التي تزيد شعور أطفالهم بعدم الأمان، وبالتوتر.. أمر ضروري في المسيرة التربوية لأي طفل.
وقد يخطئ العديد من الأهل في معاملة أطفالهم أمام الآخرين، حيث يقدمون على نقد تصرّفات أبنائهم أمام الآخرين، ممّا يزيد شعورهم بالحرج، وقلة ثقتهم بأنفسهم، فيجعلهم أكثر عرضة للانطواء، لذلك لا ينبغي جرح مشاعر الطفل أمام أصدقائه.
إضافة إلى أن تكوين الصداقات بين الأطفال وأهلهم من الأمور المهمة لتوطيد العلاقة بينهم، إذ يزيد الشعور بالأمان، ويرفع اعتماد أطفالهم على الوالدين بالمشورة، مما يساعد الأهل على التعرف على كلّ ما يفعله أطفالهم، وبذلك يسهل تدخلهم في الوقت المناسب لحلّ المشاكل التي يمرون بها.
وقد كان عليه الصلاة والسلام ودوداً مع الصغار، كان يركب أحفاده على ظهره، هو كان مثلاً أعلى، كان يخطب رأى سبطيه الحسن والحسين يمشيان، نزل من على المنبر وهو يخطب فحملهما وتابع الخطبة، درس لنا، كان يلعب مع الصغار، كان يتسابق معهم، لأن الطفل يريد إنساناً يتقرب منه. جاء في الأثر: ” من كان له صبي فليتصابَ له ” ينزل لمستواه، ويعمل على رفعته إلى المستوى اللائق شيئا فشيئا، كما يسميها خبراء التنمية البشرية: “التربية بالمشاركة”. ولذا قالوا: “لاعب ولدك سبعاً، وأدبه سبعاً، وراقبه سبعاً، ثم لا يضرنك بعد ذلك”.
إن أفضل ما يمكن أن يطلق على الأسلوب الذي نتبعه في تربية النشء هو أسلوب ” تكميم الأفواه “. فالطفل ” المتمرد ” على قرارات الآباء في المنزل يكون مصيره الضرب والنبذ! فإذا ما ذهب الطفل إلى الكُتّاب أو المدرسة، فإن عدم التزامه بالمطلوب منه يكون عقابه هو الضرب والإهانة والتسميع به بين الأقران! فإذا خرج إلى الحياة، بهذه النفسية المنكسرة وتلكم الروح الإنهزامية لم يستطع أن ينتج فضلا عن أن يبدع.
إن تعود الطفل على الإهانة والمهانة يفقده أغلى ما يملك وهو الكرامة، وإذا تحرك الإنسان بلا كرامة فليس ببعيد أن يرتكب في كل خطوة جناية، ثم لا يبالي بعدها بنظرة الناس إليه، ولا بتطبيق القانون عليه، لأنه أصبح كالغنمة الشاردة ولكن في صورة إنسان.! والشيء الذي كان يحجزه عن الموبقات (الكرامة) أصبح في خبر كان.
إن التربية القسرية والتعليم القسري، المبنيين على الخوف وعلى المناهج الفوقية، لا ينتج عنها تنمية بالمرة. فإذا كان الإنسان هو محور التنمية وهدفها الأول، حيث لا تتم أية تنمية إلا بجهود الإنسان. فإذا ما تحققت هذه التنمية، فإنها تهدف لرفع مستوى معيشة الإنسان. إذا كان الأمر كذلك، فإننا نجد أن الأداة التي تستخدم للارتقاء بجهود التنمية في المجتمع، وهي التعليم القسري، تؤدي لضياع الإنسان نفسه، الذي هو محور تلك التنمية وهدفها!! وهكذا لا تتحقق التنمية المنشودة، بل تأتي أجيال ضائعة تائهة لا يُنتظر منها تحقيق أدنى رقي أو تقدم!!
إننا إذا أردنا لمجتمعاتنا أن تتحرر من ربقة الأغلال التي تكبلها، وننطلق نحو تحقيق التنمية المنشودة التي طالما حلمنا بها، فلابد من تغيير منظومة التربية التي نتبعها مع الأطفال الصغار حتى يشبوا في جو نقي يتنسمون فيه عبير الثقة بالنفس وحرية الرأي. ذلك أن التربية القائمة على ” العلاقات التسلطية، تؤدي إلى منظومة من النتائج السلبية وهدم الشخصية، … والأطفال – وحتى الراشدين – يصابون بالعطالة الفكرية، وعدم القدرة على التفكير أمام مدرسيهم أو آبائهم، الذين عرفوا بتسلطهم وقسوتهم.
أرجو من الجميع أن يعيد النظر في منظومة التربية التي يتبعها مع أطفاله، وأن يبدأ المربون والمدرسون في سياسة جديدة تجاه الصغار، فمن هنا نبدأ التغيير الحقيقي لمجتمعاتنا على طريق التقدم والنمو.