1- روي عن عائشة وأنسٍ قال: (كانت الحبشة يزفنون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرقصون ويقولون: محمد عبد صالح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما يقولون؟ ” قالوا: يقولون: محمد عبد صالح)
أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وقال صحيحٌ على شرط مسلم.
قوله: “يزفنون”، قال السندي: كيضرب، أي: يرقصون بالسلاح.
فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرقص مع مدحه صلى الله عليه وسلم، ومدحه ثناء عليه، كالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وهي ذكرٌ.
2- روي عن عبد الله بن عمر، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: «يأخذ الجبار سماواته وأرضه بيده، وقبض بيده فجعل يقبضها ويبسطها» ، ثم يقول: «أنا الجبار، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟» ، قال: ” ويتميَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن يساره، حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه، حتى إني أقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيحٍ.
وفي روايةٍ صحيحةٍ في ابن ماجه: يتمايل، والفرق بين التمايل والتميل: أن في التميل قصد التمايل، لا أنه تمايل من غير قصد بسبب الوجد والذكر.
ففي هذا الخبر أن النبي كان على المنبر، وكان يعظ أصحابه، ويتلوا عليهم القرآن ويخطب فيهم، وهذا من العبادات بلا ريب، ومن مجالس الذكر قطعا، وبينما كان صلى الله عليه وسلم على المنبر جعل يتلوا الآية الكريمة ويقبض يده ويبسطها ويتمايل تمايلا عن يمين وشمال، وكان تمايله من الوضوح بحيث أن سيدنا عبد الله بن عمر رأى المنبر تحت قدمي رسول الله يتحرك وخاف أن يسقط، وفي هذا مشروعية التمايل في أثناء الوعظ والذكر وتلاوة القرآن تفاعلا مع المعاني وعظمتها.
3- أخرج أبو نعيم عن علي رضي الله عنه قال في وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكروا الله تعالی تمايلوا يمينا وشمالا كما يتمايل الشجر في يوم الريح العاصف وجرت دموعهم على ثيابهم .
4- لما قال سيدنا رسول الله لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي.. حجل جعفر من شدة الفرح، ولم ينكر عليه رسول الله، ومن هذه الواقعة أفتى شيخ الشافعية بالحرمین السيد أحمد بن الزيني دحلان بأن ما يفعله الصوفية له أصل أصيل
5- نقل السيوطي عن العز ابن عبد السلام وابن دقيق أنهما كان يتواجدان في مجالس الذكر وهما سيدا العلماء علمًا وورعًا، وجزم ابن حجر في الفتاوی بكون الرقص حلالا ما لم يكن على صوة التكسر والتخنث، و به جزم جميع أصحاب الحواشي من الشافعية.
6- قال الفقيه ابن عابدين في رسالته “شفاء العليل”، (ولا كلام لنا مع الصُّدَّق من ساداتنا الصوفية المبرئين من كل خصلة ردية، فقد سئل إمام الطائفتين سيدنا الجنيد: إن أقوام يتواجدون ويتمايلون ؟ فقال: دعوهم مع الله تعالى يفرحون، فإنهم قوم قطعت الطريق أكبادهم، ومزق النصب فؤادهم، وضاقوا ذرعا فلا حرج عليهم إذا تنفسوا مداواة لحالهم، ولو ذقت مذاقهم عذرتهم…
ثم قال: ويمثل ما ذكره الإمام الجنيد أجاب العلامة التحرير ابن كمال باشا لما استفتى عن ذلك حيث قال:
ما في التواجد ان حققت من حرج * ولا التمايل إن أخلصت من باس
فقمتَ تسعى على رِجْلٍ وَحُقَّ لمن * دعاه مولاه أن يسعى على الراس
فالرخصة فيما ذكر من الأوضاع، عند الذكر والسماع للعارفين الصارفين أوقاتهم إلى أحسن الأعمال، السالكين المالكين لضبط أنفسهم عن قبائح الأحوال، فهم لا يستمعون إلا من الإله، ولا يشتاقون إلا له، إن ذكروه ناحوا، وإن شكروه باحوا، وإن وجدوه صاحوا، وإن شهدوه استراحوا، وإن سرحوا في حضرات قربه ساحوا، إذا غلب عليهم الوجد بغلباته، وشربوا من موارد إرادته، فمنهم من طرقته طوارق الهيبة فَخَرَّ وذاب، ومنهم من برقت له بوارق اللطف فتحرك وطاب، ومنهم من طلع عليهم الحِبُّ من مطلع القرب فسكر وغاب، هذا ما عنَّ لي في الجواب، والله أعلم بالصواب)
ثم قال أيضاً: (ولا كلام لنا مع من اقتدى بهم، وذاق من مشربهم، ووجد من نفسه الشوق والهيام في ذات الملك العلام، بل كلامنا مع هؤلاء العوام الفسقة اللئام)
قلت: والفرق بين التواجد والوجد: أن الأول فيه قصد ومعاناة، بخلاف الثاني؛ فيحصل بلا قصد.
=======
فإن قيل: لم ترد هذه الهيئة عن السلف الصالح.
قلنا: بل وردت، كما نقلناه سابقا، ولم سلم عدم الورود؛ فليس في الاهتزاز عند الذكر مانع شرعي؛ لعدم ثبوت نهي عن ذلك ولو ضعيفا
فإن قيل: هذه فعل بني إسرائيل
قلنا: وكذا ترك تغيير الشعر الأشيب بالحمرة والصفرة من فعل بني إسرائيل، وترك الصلاة في النعال من فعل بني إسرائيل؛ فليس كل ما يفعله اليهود تكون موافقتنا لهم فيه محرمة أو مكروهة.
قيل: لو خشع القلب لخشعت الجوارح؟
قلنا: لا تلازم بينهما عقلا ولا عرفا ولا شرعا؛ إذ ثبت أنه صلى الله عليه وسلم تميل أو تمايل وهو على المنبر لما قرأ الآيات من خشوعه وتأثره؛ لذا نحن نقول: التمايل أثر ظاهر للخشوع، كما أن البكاء أثر ظاهر له، ونحن مندوبون إلى البكاء أو إلى التباكي عند عدمه بلا قصد؛ فليكن التمايل كذلك، أو قل مباح لا شيء فيه.
ثم إن الحركة أثناء العبادة والذكر واردة في مواد الشرع؛ فالذكر مندوب في السعي والطواف وفي الرمل فيهما، مع ما في الرمل من هيئة المنذر المخوف.
قيل: هذا لم ينقل؛ فيكون بدعة.
قلنا: لم ينقل ما ينهى عنه ولو ضمنا، ونحن نقول هذه الهيئة ليست عبادة مقصودة لذاتها؛ فإنها إما تفعل بلا قصد، أو بقصد التنشيط على الذكر، ولم يقل أحد قط إن التمايل عبادة وقربة؛ فهو كالمباح.
إذا تقرر هذا؛ فالتمايل والاهتزاز عند الذكر مباحٌ، سواءٌ حصل بقصدٍ أو بغيره، بشرط ألا يكون على هيئةٍ المخنثين، وكان يفعله أساطين المذاهب الأربعة ممن يرجع إليهم في الفتوى والعمل.
ويتجه أنه إن كان ينشِّط على الذكر أن يكون مستحبًا، والفرق بين المستحب والمسنون جلي عند المتفقهة، كاستحباب التلفظ بالنية عند الطهارة.